عاجل
الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د.أميرة جميل الطلياوي تكتب: عاداتنا.. بوابات المستقبل

د.أميرة جميل الطلياوي
د.أميرة جميل الطلياوي

تحكي لنا قصص التاريخ أن في اليونان القديمة كانت هناك كاهنة، كان يعتقد الإغريق القدماء أن يمكنها معرفة الغيب، وكانوا يؤمونها ليعرضوا عليها اسألتهم بخصوص المستقبل: صحتهم وأموالهم وأولادهم.. ليس من المعلوم مدي دقة تلك الكاهنة في التنبؤ بالغيب، فهى على الأحري كانت محتالة تستخدم العبارات المطاطة التي يمكن تفسيرها بطرقٍ شتي تسمح بالشيء وعكسه في آن واحد، ولكني أقول لك أنه بالإمكان التنبؤ بالمستقبل بشكل تقريبي، فيمكنك أن تعرف ما يدخره لك المستقبل لا بزيارة العارفين ولا بالنظر إلي بلورة سحرية ولكن بالنظر الي عاداتك اليومية، فالمستقبل وما يدخره لنا ما هو إلا حصيلة ما نقوم به بشكل معتاد كل يوم.



 

العادات التي نمارسها بشكل يومي هي مثل النقوش على الحجر يصعب محوها أو استبدالها، فهي أفعال لازمتنا طويلا، حتى أصبحت جزءًا من جهازنا العصبي، نفعلها دون عناء ودون الكثير من التفكير بل ربما لم تمر على اذهاننا اصلا فإذا حاولنا تذكرها لا نستطيع لشدة تلقائيتها.

 

تلك السيجارة التي تنتزعها من علبتها؛ لا تعرف عدد من سبقوها بل لا تتذكر إشعالها، كل ما تعرفه أنها الآن في يدك تستمتع بأنفاسها، ذلك الكوب من الشاي بما يحتويه من سكريات لا تتذكر متى قمت بإعداده، ولكنه الآن على المنضدة تنتظر أن يبرد قليلا قبل أن تبدأ في رشفة وهكذا.

 

حياتنا هي مجموعة من العادات التي تكونت عبر السنوات بعضها بوعي منا وأغلبها بدون وعي، فهي حيلة ابتكرها جهازنا العصبي منذ ملايين السنين ليوفر على نفسه عناء التفكير واتخاذ القرارات، فبعض الأمور يسجل قراراتنا فيها أول أو ثاني مرة ثم يأرشفها المخ كعادة لا حاجة له فى الرجوع إليها فيوفر بذلك طاقته الثمينة لقرارات أخري تطرأ على الحياة كل يوم.

 

ميعاد الاستيقاظ والنوم، مواعيد الطعام وطبيعته ومذاقه، نشاطك أو خمولك المعتاد، طريق الذهاب والإياب إلى العمل وأيام الراحة وروتينك فيها، كلها أمور لم تعد تفكر فيها كثيراً، بل تمارسها بشكل تلقائي والأمثلة هي أكثر من أن تحصي.

 

وما أهمية ذلك؟

 

أهميته هي أننا في الحقيقة حصيلة تلك العادات اليومية، فالنجاح في العمل والأسرة ليس وليد اليوم، واعتدال القامة ووفرة الصحة هما أيضا لم يأتيا من فراغ، كما أن تلك الذبحة الصدرية وتلك الصعوبة في الحركة لم تحدثان فجأة.... كل ذلك فى الحقيقة نتاج سنوات وربما عشرات السنوات من الأفعال التلقائية التي لم نعد حتي نلقي لها بالاً، نعم تلعب العوامل الوراثية دوراً قد يضيق او يتسع، ولكن في أغلب الأحوال تلعب العادات اليومية دوراً كبيراً يخفف او ربما يعطل تلك العوامل الوراثية.

 

سأعطيك مثالاً بسيطاً، ربما كنت أحد الحاملين لجينات خشونة المفاصل، والخشونة هي في معظمها عملية بيلوجيه تصيب مفاصل الجسد و لكن يساعد على تطورها وتضاعفها عوامل أخري مثل الوزن وقوة العضلات وليونة الأربطة المحيطة بالمفصل وطبيعة التغذية من حيث هي محفزة على الالتهابات او مضادة لها، كل تلك العوامل مرتبطة بالعادات اليومية.

 

ابتداءً قد يبدو الأمر بديهياً بل ميسوراً و لكن كما أشرت في بدء المقال أن عاداتنا اليومية أصبحت جزءاً من جهازنا العصبي ومن ثم يصعب تغييرها ولكنه ليس مستحيلاً، هو ككل أمور حياتنا يحتاج إلى وعي وكفاح ومثابرة ولكن الثمرة تستحق العناء.

 

الوصفة بسيطة؛ امسك ورقة وقلم واكتب قائمة بالعادات الصحية التي تود اضافتها إلى يومك، قد تكون رياضة أو قراءة وتواصل مع الأحبة أو ربما متابعة الأخبار، واجعل الأكثر إلحاحاً على رأس تلك القائمة وابدأ بها، عين لها وقتاً ثابتاً في اليوم واربطها بأحد العادات الثابتة.

 

مثال عملي: سأقوم ببعض تمارين التمدد- وهي تمارين هامة وبسيطة لليونة المفاصل والعضلات ومن ثم الحفاظ على نعمة الحركة مع تقدم السن - سأقوم بها في الصباح بعد الإفطار، ها قد عينت لها وقتاً: في الصباح ثم ربطتها بأمر تفعله كل يوم في معاد ثابت.

 

مثال آخر: سأقوم بشرب ماء أكثر - وهو أمر حيوي يتناقص في الكبر بما يهدد الصحة العامة -  سأشرب كوبين من الماء بين كل صلاةٍ و التي تليها، وهكذا.

 

ثم أحرص على تكرار ذلك الفعل كل يوم في نفس التوقيت وبالتزامن مع فعل تعتاده بالفعل، وهيء للضيف الجديد ما يحتاجه من أدوات تساعد على استمراره؛ فضع حذاءك الرياضي حيث تراه كل يوم مباشرة بعد الإفطار في المثال الأول، وزجاجة المياه بجوار سجادة الصلاة في المثال الثانى وكن واقعيًا في أهدافك ولا تتعجل فإذا نجحت في إضافة عادة حسنة كل عام أضفت الى عمرك أعواماً تعيشها في صحة ونشاط، فتقطف في كبرك ثمرة وعيك وكفاحك في كهولتك.  

 

ماذا عن العادات السيئة؟ هي أصعب في كسرها كونها ترسخت في جهازنا العصبي، ولكن العادات الحسنة التي تزرعها اليوم يمكنها مزاحمة العادات السيئة واقتلاعها بمرور الوقت ويكفي أن العادات المحمودة الجديدة قطعا ستوجه وعيك الي كل ما هو مفيد وصحي.

 

د.أميرة جميل الطلياوي استشاري طب المسنين وعلوم الأعمار

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز